الأيام الماضية كانت حبلى بالتصريحات والتخمينات عن تكلفة إعادة إعمار سوريا، والأرقام وصلت إلى نصف تريليون دولار وأخرى تجاوزت هذا الرقم بكثير ووصلت إلى 950 مليار دولار، وهذه الأرقام سوق لها صندوق النقد الدولي والولايات المتحدة والاعلام الغربي، وهذا المبلغ سيكون واقعياً وحقيقياً لو أن هذه الحرب حدثت في دولة مساحتها ضعف مساحة سوريا ومن الدول الحديثة والمتطورة التي يوجد فيها مراكز بحوث فضاء ومصانع سيارات وطائرات ومحطات نووية ومحطات مترو وأبراج سكنية وتجارية وغيرها من الأمور المتطورة، ولكن هذا الرقم مبالغ به جداً لإعادة إعمار دولة في الشرق الأوسط. ولنكن واقعيين الشعب السوري ليس بالشعب المتطلب والذي يبحث عن الرفاهية بكل شيء، فالشعب الذي صمد تحت القصف بشتى أنواعه، وفي ظل ارتفاع الأسعار وانقطاع الماء والكهرباء والحصار والإرهاب، قادر على الخروج من هذه الحرب بأقل الأضرار وعلى عكس ما يتوقع الكثيرون.
أكثر المدن تضرراً هي حلب ثم حمص ثم الرقة ثم دير الزور وبعدها تأتي إدلب وريف دمشق، وبحسب مراكز الدراسات الغربية فإن تكلفة إعادة إعمار المدينة الواحدة وفق النظام الحديث وغير المبالغ فيه بالرفاهية الخادعة سواء بالأبراج وغيرها، تبلغ التكلفة 4 مليارات دولار فقط، وبحسبة بسيطة فان تكلفة إعادة إعمار جميع محافظات البلاد ستبلغ 56 مليار دولار.
ماهي خطوات إعادة الإعمار؟
أولاً عملية إعادة الإعمار يجب أن لا تكون عشوائية ومن الضروري أن تبنى وفق رؤية اقتصادية وطنية شاملة، وهو ما نجحت فيه سوريا طوال العقود الماضية وبصورة أدق منذ الخطط الخمسية ما بعد عام 1975، وهي التي سمحت لهذه الدولة بأن تكون مكتفية ذاتياً من عدة أمور أساسية بحياة الفرد تبدأ بالطعام ولا تنتهي بالتصنيع. ولولا هذه الخطط لما استطاعت سوريا الصمود طوال السنوات الماضية في ظل حصار أركع دولاً أكبر منها وأغنى، والحصار ليس بشيء جديد على سوريا وهي التي اعتادت ذلك منذ عام 1955 أي أيام حلف بغداد عندما وقفت ضده وفرض عليها أول حصار دولي.
ثانيا يجب إعادة الأمان وأن يشعر المواطن بهذا الأمر، واهم نقطة بإعادة الأمان هي انهاء المظاهر المسلحة في المدن، ومن ثم إنهاء أهم نقطة تثير غضب السوريين وهي الفساد، ويجب القضاء عليه بشكل كامل، كي تتمتع عملية إعادة الإعمار بالنزاهة، ومن ثم محاسبة أثرياء الحرب أو ما عرفوا خلال الأزمة بتجار الحرب، ومن بعدها إعادة إعمار الأساسيات أي البنية التحتية ومن ثم الماء والكهرباء والمواصلات ثم المدارس والمصانع، وبهذه الطريقة تكون الدولة قد بدأت من الأسفل إلى الأعلى.
ثالثا يجب أن تكون عملية إعادة الإعمار في الأساس للسوريين ومن ثم الحلفاء، فبحسب التقديرات تحتاج سوريا لمليون يد عاملة في هذه المرحلة، وهو ما سيقضي على البطالة لسنوات طويلة، ومن المهم عدم الانتقام من الطرف الاخر في عقود التوظيف.
عدة امور تجعل من تكلفة إعادة الإعمار اقل مما يشار إليها، أهمها تنافس الحلفاء على هذه الفترة المهمة من مرحلة ما بعد الحرب، وبهذا التنافس ستمتلك دمشق أفضل العقود وأرخصها أيضاً. قد يتسائل شخص من أين ستأتي أموال إعادة الإعمار؟ وهو سؤال مشروع ولكن بتفكير بسيط نرى أن سوريا تتمتع باحتياطي مهم من الغاز الطبيعي والنفط، إضافة إلى الفوسفات وغيرها من الثروات الطبيعية، فضلاً عن الزراعة والصناعة، ولا ننسى القطاع السياحي، وبفترة إعادة الإعمار تستطيع الدولة أن تمنح الدول الأخرى عقوداً سياحية، وبهذه الطريقة تستطيع الدولة تأمين المبالغ الرئيسية لإعادة الإعمار.
وفي النهاية تبقى عملية إعادة إعمار الإنسان السوري هي الأساس، فبناء الوطن والمجتمع على طرق سليمة بعيدة عن الطائفية والمناطقية هي السبيل الوحيد لمنع عودة فتنة أخرى إلى المجتمع السوري.
بقلم ابراهيم شير