مما لاشك فيه مشكلة ارتفاع سن الزواج لكلا الجنسين أو ما يتداوله المجتمع ظاهرة العنوسة، فقط أصبحت مشكلة جديرة بالطرح مراراً وتكراراً ، وإننا في حاجة ماسة للتوعية في هذا المجال، من خلال تثقيف وتوعية المجتمع عامة بمخاطر الظاهرة، ومنح الإنسان حرية اختيار الشريك المناسب، بعيداً عن اعتبارات النسب والمال والكفاءة العلمية وخلافه، وتنازل المرأة عن بعض الشروط غير الرئيسة التي قد تعيق تقدم الخاطبين، وعدم المغالاة في المهور، والتقليل من الزواج من أجنبيات.
إن الفتاة لم تعد نفسها اليوم تحلم بالفارس الذي يحملها على الحصان الأبيض، ولم تعد تهتم بقوة شخصية الرجل، إنما أصبح جل اهتمامها منصباً على قدرته على توفير حياة مرفهة لها، بالإضافة إلى عوائق أخرى من أهمها هو إصرار الفتاة استكمال مرحلتها الدراسية واستبعاد فكرة الزواج أثناء الدراسة، إلى جانب مغالاة أولياء الأمور في المهر والتكاليف المصاحبة التي تجلب التعاسة إلى بيت ابنتهم إن تزوجت، بجانب انتظار فارس أحلام كامل المواصفات من قبل الفتاة ورفض المتقدمين لها، والتشدد في اختيار زوج البنت من قبل الأهل، وعدم قبول البنت بالمتزوج من امرأة أخرى.
وعليه وجب الانتباه إلى العامل النفسي ومدى تضرر الجسم النفسي لكلا الطرفين تشير الإحصاءات المتاحة من بعض الدول العربية أنها فعلا ظاهرة من حيث العدد ومن حيث الانعكاسات النفسية والاجتماعية على السواء.
آثار النفسية للعنوسة:
قليلا ما تجد منهم ممتع بحياة طبيعية، على الرغم من نجاح بعضهم في تعويض حالتهم من خلال عمليات التسامي (الإعلاء) وذلك بالنجاح في العمل أو النجاح في القيام بأعمال ذات قيمة اجتماعية عالية أو الإبداع الأدبي أو الفني أو اللجوء إلى الزهد والحياة الروحية أو لجوء بعضهن إلى “الاسترجال” وبعضهم إلى الاستعلاء (ربما عقاباً للأهل وللمجتمع ككل على إهمالهم).
فهم ربما يعانون الوحدة على الرغم من كثرة الناس حولهم في بعض الأحيان ، و الغربة و الإحساس بالدونية على الرغم من محاولاتهم إنكار ذلك أو إخفائه أو تكوين رد فعل عكسي له ، ناهيك عن الفراغ النفسي ، و الحرمان العاطفي أو الجنسي أو كليهما، وعلى الجانب الإنثوي الحرمان من الأمومة الذي ربما تستعيض عنه بالاندماج مع أطفال الأسرة ولكن ذلك غير مشبع لهذه الغريزة الهامة للمرأة السوية، ومعانة الحرمان من الدفء الأسري (ربما تستعيض عنه مؤقتا بدفء الأسرة الكبيرة ولكنه زائل أو مهدد بالزوال لا محالة).
وإذا لم تتواجد وسائل كافية للتعويض، وإذا لم يوجد معنى لحياة في أنشطة مفيدة ومشبعة فإنها ربما تكون عرضة للقلق أو الاكتئاب أو لهما معاً ، أومعاناة من اضطرابات جسدية كثيرة سببها الحالة النفسية التي لا يعبر عنها بشكل مباشر،وبعضهم قد يخرج من هذه الأزمة بطرق إيجابية -كما ذكرنا- وبعضهم قد يخرج منها بطرق سلبية كأن يميلوا للعنف وربما التورط في بعض الجرائم نظرا لتراكم الغضب بداخلهم من نظرة المجتمع وظلمه لهم، وبعضهم ربما يلجأ للغواية العاطفية أو الجنسية كنوع من رد الاعتبار أو إثبات الذات أو الانتقام من المجتمع ، وقد ينزلق بعضهم إلى احتراف البغاء في ظروف معينة خاصة حين اليأس من الزواج نهائياً.
ولا تقتصر مشكلات العونسة على النواحي النفسية بل قد يمتد ذلك إلى النواحي البيولوجية فنجد تغيراً واضحاً يظهر مع السنين في الشكل ونضارة الجلد وحيوية الجسد.
كحل مقترح من الجوانب النفسية والاجتماعية :
على الرغم من قلقنا من العنوسة وآثارها، فعلينا أن نحترم اختيار البشر في زواجهم أو عدمه فلا ترغم فتاة على زواج لا ترغبه لمجرد التخلص من شبح العنوسة.
محاولة المجتمع والمحيط الأهلي من تقبل فكرة وجود شخص خارج نطاق الزواج والتعامل معه بدون النظرة الدونية او الاستنقاص من حقوقه الإنسانية والنفسية باي شيء سواء كانت معنوياً أو نفسياً أو اجتماعياً.
نشر ثقافة الزواج وأهميته لتوفير الكثير من الاحتياجات الفطرية للنفس السوية بشكل
سوي يتوافق مع القيم الدينية والأخلاقية والأعراف السليمة، فالزواج (على الرغم من
انتقاد البعض له أو الشكوى من مشاكله) هو أفضل مؤسسة اجتماعية عرفها البشر حتى
الآن، ويؤدي وظيفة بنائية ضرورية لاستمرار الجنس البشري وارتقائه خاصة في حالة
قيامه على أسس سليمة.
الاخصائية النفسية : غالية اسعيّد